فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {قل للذين آمنوا يغفروا} الآية. آية نزلت في صدر الإسلام. أمر الله المؤمنين فيها أن يتجاوزوا عن الكفار وأن لا يعاقبوهم بذنب. بل يأخذون أنفسهم بالصبر. قاله محمد بن كعب القرظي والسدي. قال أكثر الناس: وهذه آية منسوخة بآية القتال وقالت فرقة: الآية محكمة. والآية تتضمن الغفران عمومًا. فينبغي أن يقال: إن الأمور العظام كالقتل والكفر مجاهرة ونحوذلك قد نسخ غفرانه آية السيف والجزية وما أحكمه الشرع لا محالة. وإن الأمور المحقرة كالجفاء في القول ونحوذلك يحتمل أن يتقى محكمه. وأن يكون العفوعنها أقرب إلى التقوى. وقال ابن عباس لما نزلت: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} [البقرة: 245] قال فنحاص اليهودي. احتاج رب محمد. فأخذ عمر سيفه ومر ليقتله. فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إن ربك يقول: {قل للذين آمنوا}» الآية. فهذا احتجاج بها مع قدم نزولها. وقد ذكر مكي وغيره أنها نزلت بمكة في عمر رضي الله عنه لما أراد أن يبطش بمشرك شتمه. وأما الجزم في قوله: {يغفروا} فهو جواب شرط مقدر تقديره: قل اغفروا فإن يجيبوا يغفروا.
وأخصر عندي من هذا أن {قل} هي بمثابة: أندب المؤمنين إلى الغفر.
وقوله: {أيام الله} قالت فرقة معناه: أيام إنعامه ونصره وتنعيمه في الجنة وغير ذلك. فـ: {يرجون} على هذا هو من بابه. وقال مجاهد: {أيام الله} تعالى هي أيام نقمه وعذابه. فـ: {يرجون} على هذا هي التي تتنزل منزلة يخافون. وإنما تنزلت منزلتها من حيث الرجاء والخوف متلازمان لا تجد أحدهما إلا والآخر معه مقترن. وقد تقدم شرح هذا غير مرة. وقرأ جمهور القراء {ليجزي} بالياء على معنى: ليجزي الله. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والأعمش وأبوعبد الرحمن وابن وثاب: {لنجزي} بالنون. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بخلاف عنه {ليُجزَى} على بناء الفعل للمفعول {قومًا}. وهذا على أن يكون التقدير: ليجزي الجزاء قومًا. وباقي الآية وعيد.
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)}.
لما تقرر في التي قبل هذه أن الله يجزي قومًا بكسبهم ويعاقبهم بذنوبهم واجترامهم. أكد ذلك بقوله تعالى: {من عمل صالحًا فلنفسه}.
وقوله: {فلنفسه} هي لام الحظ. لأن الحظوظ والمحاب إنما يستعمل فيها اللام التي هي كلام الملك. تقول الأمور لزيد متأتية. وتستعمل في ضد ذلك على. فتقول: الأمور على فلان مستصعبة. وتقول: لزيد مال وعليه دين. وكذلك جاء العمل الصالح في هذه الآية باللام والإشارة بـ: {على}.
وقوله تعالى: {ثم إلى ربكم ترجعون} معناه إلى قضائه وحكمه. و{الكتاب} في قوله: {آتينا بني إسرائيل الكتاب} هو التوراة.
{والحكم} هو السنة والفقه. فيقال إنه لم يتسع فقه الأحكام على لسان نبي ما اتسع على لسان موسى عليه السلام: {والنبوءة} هي ما تكرر فيهم من الأنبياء.
وقوله تعالى: {ورزقناهم من الطيبات} يعني المستلذات الحلال. وبهذين تتم النعمة ويحسن تعديدها. وهذه إشارة إلى المن والسلوى. وطيبات الشام بعد. إذ هي الأرض المباركة. وقد تقدم القول في معنى {الطيبات}. وتلخيص قول مالك والشافعي في ذلك.
وقوله تعالى: {على العالمين} يريد على عالم زمانهم. والبينات من الأمر: هو الوحي الذي فصلت لهم به الأمور.
ثم أوضح تعالى خطأهم وعظمه بقوله: {فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم} وذلك أنهم لواختلفوا اجتهادًا في طلب صواب لكان لهم عذر في الاختلاف. وإنما اختلفوا بغيًا وقد تبينوا الحقائق. ثم توعدهم تعالى بوقف أمرهم على قضائه بينهم يوم القيامة.
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ولا تَتَّبِعْ أَهواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)}.
المعنى: {ثم جعلناك على شريعة}. فلا محالة أنه سيختلف عليك كما تقدم لبني إسرائيل فاتبع شريعتك. والشريعة في كلام العرب: الموضع الذي يرد فيه الناس في الأنهار والمياه ومنه قول الشاعر: البسيط:
وفي الشرائع من جلأن مقتنص ** رث الثياب خفيّ الشخص منسرب

فشريعة الدين هي من ذلك. كأنها من حيث يرد الناس أمر الحدود ورحمته والقرب منه. وقال قتادة: الشريعة: الفرائض والحدود والأمر والنهي.
وقوله: {من الأمر} يحتمل أن يكون واحد الأمور أي من دون الله ونبواته التي بثها في سالف الزمان. ويحتمل أن يكون مصدرًا من أمر يأمر. أي على شريعة من الأوامر والنواهي. فسمى جميع ذلك أمرًا. و{الذين لا يعلمون} هم الكفار الذين كانوا يريدون صرف محمد صلى الله عليه وسلم إلى إرادتهم. و: {يغنوا} من الغناء. أي لن يكون لهم عنك دفاع. ثم حقر تعالى شأن الظالمين مشيرًا بذلك إلى كفار قريش. ووجه التحقير أنه قال: هؤلاء يتو لى بعضهم بعضًا. والمتقون يتو لاهم الله. فخرجوا عن ولاية الله وتبرأت منهم. ووكلهم الله بعضهم إلى بعض.
وقوله تعالى: {هذا بصائر} يريد القرآن. والبصائر جمع بصيرة. وهي المعتقد الوثيق في الشيء. كأنه مصدر من إبصار القلب. فالقرآن فيه بيانات ينبغي أن تكون بصائر. والبصيرة في كلام العرب: الطريقة من الدم. ومنه قول الشاعر يصف جده في طلق الثأر وتواني غيره: الكامل:
راحوا بصائرهم على أكتافهم ** وبصيرتي يعدوبها عتد وأى

وفسر الناس هذا البيت بطريقة الدم إذ كانت عادة طالب الدم عندهم أن يجعل طريقة من دم خلف ظهره ليعلم بذلك أنه لم يدرك ثأره وأنه يطلبه. ويظهر فيه أنه يريد بصيرة القلب. أي قد اطرح هؤلاء بصائرهم وراء ظهورهم.
وقوله تعالى: {أم حسب} الآية قول يقتضي أنه نزل بسبب افتخار كان للكفار على المؤمنين قالوا لئن كانت اخرة كما تزعمون لنفضلن عليكم فيها كما فضلنا في الدنيا. و: {أم} هذه ليست بمعادلة. وهي بمعنى بل مع ألف الاستفهام. و: {اجترحوا} معناه: اكتسبوا. ومنه جوارح الإنسان. ومنه الجوارح في الصيد. وتقول العرب: فلان جارحة أهله. أي كاسبهم.
وقرأ أكثر القراء: {سواءٌ} بالرفع {محياهم ومماتُهم} بالرفع. وهذا على أن {سواءٌ} رفع بالابتداء {ومحياهم ومماتُهم} خبره. و: {كالذين} في موضع المفعول الثاني لـ: {نجعل}. وهذا على أحد معنيين: إما أن يكون الضمير في {محياهم} يختص بالكفار المجترحين. فتكون الجملة خبرًا عن أن حالهم في الزمنين حال سوء. والمعنى الثاني: أن يكون الضمير في {محياهم} يعم الفريقين. والمعنى: أن محيا هؤلاء ومماتهم سواء. وهو كريم. ومحيا الكفار ومماتهم سواء. وهو غير كريم. ويكون اللفظ قد لف هذا المعنى وذهن السامع يفرقه. إذ تقدم أبعاد أن يجعل الله هؤلاء كهؤلاء.
قال مجاهد: المؤمن يموت مؤمنًا ويبعث مؤمنًا. والكافر يموت كافرًا ويبعث كافرًا.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: مقتضى هذا الكلام أن لفظ الآية خبر. ويظهر لي أن قوله: {سواء محياهم ومماتهم} داخل في المحسبة المنكرة السيئة. وهذا احتمال. والأول أيضًا جيد.
وقرأ طلحة وعيسى بخلاف عنه: {سواءً} بالنصب. {محياهم ومماتُهم} بالرفع. وهذا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون قوله: {كالذين} في موضع المفعول الثاني لـ: {جعل} كما هو في قراءة الرفع. وينصب قوله: {سواءً} على الحال من الضمير في: {نجعلهم}. والوجه الثاني أن يكون قوله: {كالذين} في نية التأخير. ويكون قوله: {سواءً} مفعولا ثانيًا لـ: {جعل}. وعلى كلا الوجهين: {محياهم ومماتُهم} مرتفع بـ: {سواء} على أنه فاعل. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم والأعمش {سواءً} بالنصب {محياهم ومماتَهم} بالنصب وذلك على الظرف أو على أن يكون {محياهم} بدلًا من الضمير في: {نجعلهم} أي نجعل محياهم ومماتهم سواء. وهذه الآية متناولة بلفظها حال العصاة من حال أهل التقوى. وهي موقف للعارفين فيكون عنده فيه. وروي عن الربيع بن خيثم أنه كان يردها ليلة جمعاء. وكذلك عن الفضيل بن عياض. وكان يقول لنفسه: ليت شعري من أي الفريقين أنت. وقال الثعلبي: كانت هذه الآية تسمى مبكاة العابدين.
قال القاضي أبو محمد: وأما لفظها فيعطي أنه اجتراح الكفر بدليل معادلته بالإيمان. ويحتمل أن تكون المعادلة بن الاجتراح وعمل الصالحات. ويكون الإيمان في الفريقين. ولهذا ما بكى الخائفون رضوان الله عليهم. وإما مفعولا {حسب} فقولهم {أن نجعلهم} يسد مسد المفعولين.
وقوله: {ساء ما يحكمون}. {ما} مصدرية. والتقدير: ساء الحكم حكمهم.
{وخلق الله السماوات والأرض بالحق} معناه: بأن خلقها حق واجب متأكد في نفسه لما فيه من فيض الخيرات ولتدل عليه ولتكون صنعة حاكمة لصانع وقيل لبعض الحكماء: لم خلق الله السماوات والأرض؟ قال ليظهر جوده. واللام في قوله: {لتجزى} يظهر أن تكون لام كي. فكأن الجزاء من أسباب خلق السماوات. ويحتمل أن تكون لام الصيرورة أي صار الأمر فيها من حيث اهتدى بها قوم وضل عنها آخرون لأن يجازى كل أحد بعلمه وبما اكتسب من خير أوشر.
وقوله تعالى: {أفرأيت} سهل بعض القراء الهمزة وخففها قوم. وكذلك هي في مصحف ابن مسعود مخففة. وفي مصحف أبي بن كعب: {أفرايت} دون همز. وهذه الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم عن المعرضين عن الإيمان. أي لا تعجل بهم ولا تهتم بأمرهم. فليس فيهم حيلة لبشر. لأن الله تعالى أضلهم. وقال ابن جبير: قوله: {إلهه هواه} إشارة إلى الأصنام إذ كانوا يعبدون ما يهو ون من الحجارة. وقال قتادة المعنى: لا يهوى شيئًا إلا ركبه. لا يخاف الله. وهذا كما يقال: الهوى إله معبود.
وقرأ الأعرج وابن جبير: {الهة هواه} على التأنيث في {الهة}.
وهذه الآية وإن كانت نزلت في هو ى الكفر فهي متناولة جميع هو ى النفس الأمارة. قال ابن عباس: ما ذكر الله هو ى إلا ذمة. وقال الشعبي: سمي هو ى لهويه بصاحبه. وقال النبي عليه السلام: {والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله} وقال سهل التستري: هو اك دوؤك. فإن خالفته فدواؤك. وقال سهل: إذا شككت في خير أمرين. فانظر أبعدهما من هو اك فأته. ومن حكمة الشعر في هذا قول القائل:
إذا أنت لم تعص الهوى قادك ال ** هو ى إلى كل ما فيه عليك مقال

وقوله تعالى: {على علم} قال ابن عباس المعنى: على علم من الله تعالى سابق. وقالت فرقة: أي على علم من هذا الضال بأن الحق هو الذي يترك ويعرض عنه. فتكون الآية على هذا من آيات العناد من نحو قوله: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل: 14] وعلى كلا التأويلين: فـ: {على علم}. حال.
وقوله تعالى: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} استعارت كلها. إذ هو الضال لا ينفعه ما يسمع ولا ما يفهم ولا ما يرى. فكأنه بهذه الأوصاف المذكورة. وهذه الآية لا حجة للجبرية فيها. لأن التكسب فيها منصوص عليه في قوله: {اتخذ} وفي قوله: {على علم} على التأويل الأخير فيه. ولولم ينص على الاكتساب لكان مرادًا في المعنى.
وقرأ أكثر القراء {غِشاوة} بكسر الغين. وقرأ عبد الله بن مسعود: {غَشاوة} بفتح الغين وهي لغة ربيعة. وحكي عن الحسن وعكرمة: {غُشاوة} بضم الغين وهي لغة عكل. وقرأ حمزة والكسائي: {غَشْوة} بفتح الغين وإسكان الشين.
وقرأ الأعمش وابن مصرف بكسر الغين دون ألف.
وقوله: {من بعد الله} فيه حذف مضاف تقديره: من بعد إضلال الله إياه.
وقرأ عاصم وأراه الجحدري: {تذكرون} بتخفيف الذال. وقرأ جمهور الناس: {تذّكرون} على الخطاب أيضًا بتشديد الذال. وقرأ الأعمش: {تتذكرون} بتاءين.
وقوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا} الآية حكاية مقالة بعض قريش. وهذه صنيفة دهرية من كفار العرب. ومعنى قولهم: ما في الوجود إلا هذه الحياة التي نحن فيها وليست ثم اخرة ولا بعث.
واختلف المفسرون في معنى قولهم: {نموت ونحيا} فقالت فرقة المعنى: نحن موتى قبل أن نوجد. ثم نحيا في وقت وجودنا. وقالت فرقة: المعنى: {نموت} حين نحن نطف ودم. ثم {نحيا} بالأرواح فينا. وهذا قول قريب من الأول. ويسقط على القولين ذكر الموت المعروف الذي هو خروج الروح من الجسد. وهو الأهم في الذكر. وقالت فرقة المعنى نحيا ونموت. فوقع في اللفظ تقديم وتأخير. وقالت فرقة: الغرض من اللفظ العبارة عن حال النوع. فكأن النوع بجملته يقول: إنما نحن تموت طائفة وتحيا طائفة دأبًا.
وقولهم: {وما يهلكنا إلا الدهر} أي طو ل الزمان هو الملهك. لأن الافات تستوي فيه كمالاتها. فنفى الله تعالى علمهم بهذا وأعلم انها ظنون وتخرص تفضي بهم إلى الإشراك بالله تعالى. و{الدهر} والزمان تستعمله الغرب بمعنى واحد. وفي قراءة ابن مسعود: {وما يهلكنا إلا دهر يمر}. وقال مجاهد: {الدهر} هنا الزمان. وروى أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال: «كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار». ويفارق هذا الاستعمال قول النبي عليه السلام: «لا تسبوا الدهر. فإن الله تعالى هو الدهر» وفي حديث آخر: «قال الله تعالى يسب ابن آدم الدهر. وأنا الدهر بيدي الليل والنهار» ومعنى هذا الحديث: فإن الله تعالى يفعل ما تنسبونه إلى الدهر وتسبونه بسبه. وإذا تأملت مثالات هذا في الكلام ظهرت إن شاء الله تعالى.
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالوا ائْتُوا بِآبائنا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)}.
الضمير في: {عليهم} عائد على كفار قريش. والآيات: هي آيات القرآن وحروفه بقرينة قوله: {تتلى} وعابت هذه الآية سوء مقاو لتهم. وأنهم جعلوا بدل الحجة التمني المتشطط والطلب لما قد حتم الله أن لا يكون إلا إلى أجل مسمى.
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وابن عامر فيما روى عنه عبد الحميد. وعاصم فيما روى هارون وحسين عن أبي بكر عنه {حجتُهم} بالرفع على اسم {كان} والخبر في {أن}. وقرأ جمهور الناس {حجتَهم} بالنصب على مقدم واسم {كان} في {أن}.
وكان بعض قريش قد قال: أحي لنا قصيًا فإنه كان شيخ صدق حتى نسأله. إلى غير ذلك من هذا النحو. فنزلت الآية في ذلك. وقالوا لمحمد عليه السلام: {ائتوا} من حيث المخاطبة له. والمراد هو وإلهه والملك الوسيط الذي ذكر هو لهم. فجاء من ذلك جملة قيل لها {ائتوا} و{إن كنتم}.
ثم أمر تعالى نبيه أن يخبرهم بالحال السالفة في علم الله التي لا تبدل. وهي أنه يحيي الخلق ويميتهم بعد ذلك ويحشرهم بعد إماتتهم {إلى يوم القيامة}.
وقوله: {لا ريب فيه} أي في نفسه وذاته. والأكثر الذي لا يعلم هم الكفار والأكثر هنا على بابه. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ولا تَتَّبِعْ أَهواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)}.
لما ذكر تعالى إنعامه على بني إسرائيل واختلافهم بعد ذلك. ذكر حال نبيه عليه الصلاة والسلام وما منّ به عليه من اصطفائه فقال: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء}.
قال قتادة: الشريعة: الأمر. والنهي. والحدود. والفرائض.
وقال مقاتل: البينة. لأنها طريق إلى الحق.
وقال الكلبي: السنة. لأنه كان يستن بطريقة من قبله من الأنبياء.
وقال ابن زيد: الدّين. لأنه طريق إلى النجاة.